وهو الفيلم الذي حققه المخرج يحي العبدالله بعد سلسلة من الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لاقت أصداء طيبة في تعليقات النقاد والمتابعين .
منحت لجنة تحكيم المهرجان التي ترأسها المخرج الاميركي بيتر وير  فيلم (الجمعة الاخيرة) جوائز لافضل موسيقى ذهبت للاخوة جبران، وافضل ممثل عن اداء علي سليمان الرصين والهاديء، إضافة إلى جائزة التحكيم الخاصة لافضل مخرج.
تناول الفيلم الذي قدمه العبدالله في ايقاع  بطيء قصة رجل بانتظار عملية جراحية، لكنه يعاني الكثير من المشكلات التي تعصف بذاته واسرته الصغيرة حيث تغوص كاميرا الفيلم بمعاينة دواخله وعلاقاته الانسانية في الوان من الصور والفضاءات الرحبة لمدينة عمان.
وكانت ثلاثة افلام اردنية شاركت ضمن فعاليات المهرجان إلى جوار فيلم (الجمعة الاخيرة) هي : الفيلم الروائي الطويل (الفرق7 ساعات) للمخرجة ديما عمرو، والفيلم التسجيلي الطويل (عمو نشأت) للمخرج اصيل منصور، والفيلم الروائي القصير (عبور) للمخرجين محمد الحشكي وثريا حمدة.
يشار إلى ان الفيلم الأردني (الجمعة الأخيرة) و (الفرق 7 ساعات) تم إنتاجهما بدعم من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ضمن إطار برنامج تدريبي للأفلام الروائية الطويلة لتشجيع صناع الأفلام وطواقم العمل الأردنيين على إنتاج أفلام سينمائية بميزانيات بسيطة.

تحديات وهموم
أثارت الأفلام الاربعة بشقيها التسجيلي والروائي والمتفاوتة الطول والأساليب، الكثير من الجدل والإعجاب ، حظي فيها (الجمعة الأخيرة) باكورة اعمال المخرج العبدالله  بنصيب وفير من تقييمات المتابعين والنقاد ، الذين رأوا فيه محطات نابضة بمشاعر إنسانية لشاب في بحثه الدؤوب عن ذاته داخل فضاءات مجتمع، مثقل بتحديات وهموم متطلبات الحياة العصرية، وذلك لحظة اكتشاف هذا الشاب أنه مصاب بمرض عضال.
صور العبدالله فيلمه في العديد من أرجاء العاصمة عمان والأمكنة المحيطة بها، بتقنية وأسلوبية السينما الزهيدة التكاليف، واختار المخرج الذي تلقى تعليمه السينمائي في باريس طاقم فريق عمله من بين ممثلين أردنيين: نادرة عمران ،لارا صوالحة ،نبيل كوني، فادي عريضة والزميلة الاعلامية تغريد الرشق وادارهم الى جوار طاقات تمثيلية عربية،حيث اضطلع بتأدية الدور الرئيسي الممثل الفلسطيني علي سليمان، وهناك ايضا الممثلة الفلسطينية المقيمة في فرنسا ياسمين المصري.
سلك العبد الله خطى المدرسة الواقعية الجديدة في طرح الرسالة الاجتماعية للفيلم، حيث تمكن من إضفاء قيمة جمالية على تفاصيل الحياة اليومية، وإعلاء قيمة مفرداتها من خلال الإيقاع البطيء، والمشاهد المكون من لقطة واحدة، مستلهما شخصياته من الواقع الممتزج بمخيلة رحبة في نظرتها لطموحات وآلام الفرد، الذي وجد نفسه أسير انكسار وضعه المعيشي في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يعيشها العالم، حيث يقرر ان يجازف بالعمل في مهن بسيطة، بعد أن خاض تجربة رجال الأعمال.
قدم الفيلم الكثير من الرؤى الدرامية والجمالية وهي تفيض بالمفردات والعناصر الفنية، التي تتفاوت بين مشهد وآخر سواء على صعيد الأداء المقتصد الحركة والكلام، أو في قالب من الشاعرية النابضة بمعاناة شخصياته التي تنتظر مصيرها المحتوم بصلابة وأمل.
على نحو اخر شديد الوضوح والتأمل، جاءت تجربة المخرج الشاب اصيل منصور بفيلمه التسجيلي الطويل الاول (عمو نشأت) وفيه كشف حساب استقصائي للذات والاب والعائلة والدائرة الاجتماعية والسياسية الاوسع التي كان فيها عم المخرج الشاب نشات في فترة زمنية قريبة تعود الى بداية عقد الثمانينات من القرن الفائت ناشطا سياسيا في لبنان.
ببلاغة مزنرة بعناصر تسجيلية طموحة، نجح منصور في استعادة مناخات عمه الشهيد طارحا اسئلته العميقة دون خطابية او زعيق ، حيث سار بمفرداته البصرية والفكرية على خطى مبدعين كبار في حقل السينما التسجيلية خاصة وهو يستذكر علاقاته مع والده الصحفي الذي عاش متنقلا في اكثر من بلد عربي، مبينا مواقف ومحطات جمعته مع والديه في صباه وفي الوقت الراهن بغية الوصول الى حقيقة اللحظة التي واجه فيها عمه الموت.
اطلق اصيل فيلمه بين سطور وترانيم الشعر التي سجلها لوالده الاعلامي والشاعر خيري منصور باسلوبية هي اقرب الى الكاميرا الخفية ! لكي يفرض على عمله لمسة من العفوية والتلقائية .
لم يخل الفيلم رغم حمى اندفاع مخرجه صوب موضوعه من وقفات ابداعية رسم فيها جانباً مضيئا للكاميرا في قدرتها التأشير على خيبة الأمل وطرح اسئلة الحيرة والقلق.
ولا يتوانى صانعا فيلم (عبور) محمد الحشكي وثريا حمدة عن تقديم موضوعهما المؤثر حول ذلك الغائب بالكثير من علامات واشارات التلميح والتصريح المصاحبة لبيئة مجبولة بالالم .
وكانت المخرجة الأردنية ديما عمرو قد انجزت حديثا فيلمها الروائي الطويل المسمى (فرق 7 ساعات) وهو العنوان المستمد عن فرق التوقيت بين عمان وأميركا ، والذي تسري احداثه في العاصمة عمان عن نص للمخرجة ذاتها صورته عقب تخرجها من معهد البحر الأحمر للعلوم السينمائية، في محاكاة لثقافتين شرقية وغربية - فضاؤها البيئة الأردنية - من خلال قصة فتاة أردنية تدرس في أميركا تقرر العودة إلى الوطن للمشاركة في عرس شقيقتها لتفاجأ بأنها أمام زميلها الاميركي بالجامعة، ولتبدأ مواقف ومفارقات حول تباين الثقافتين ، وقد أسندت المخرجة مجموعة من الأدوار لشباب في إطلالتهم الأولى على الكاميرا مثل رندة كرادشة إلى جوار ممثلين أردنيين مكرسين مثل قمر الصفدي وغسان المشيني ونبيل كوني.
على نحو اخر سلط مخرجون عرب ومقيمون بالمهجر شاركوا بافلامهم الروائية والتسجيلية الطويلة والقصيرة بالمهرجان، الضوء على العديد من القضايا والوقائع التي يتعايش فيها افراد وجماعات في بيئاتهم الاجتماعية والسياسية.
حرصت اغلبية صناع تلك الافلام على مناقشة القضايا والمواضيع برؤى تنحاز إلى البسطاء والمهمشين مفعمة بتفاصيل التفاعل الحيوي الفعال بأسئلة درامية وجمالية متباينة، البعض منها نجح في اقتناص جائزة او اكثر، واكتفى البعض الاخر بحصة من صرخات الاعجاب والتأمل والفرح والشغف رغم خيبة عدم الفوز بهذه الجائزة أو تلك.
تناول فيلم (حبيبي راسك خربان) للمخرجة اللبنانية المقيمة باميركا سوزان يوسف والحائزة على جائزة أفضل فيلم عربي روائي في مسابقة المهر العربي، وهو اول فيلم روائي طويل تدور احداثه في مدينة غزة منذ اكثر من 15 عاما ويسرد قصة حب مأساوية عن علاقة مستحيلة تحت وطاة الاحتلال والتقاليد والتباين الطبقي.

قيس وليلى
التقط الفيلم الذي مثل فلسطين في المسابقة، نال ايضا جائزة افضل ممثلة ذهبت لميساء عبد الهادي وافضل مونتاج، مواقف من الموروث السردي العربي التي تحكي عن قصة حب قيس وليلى بحيث صاغتها كاميرا المخرجة في خلفية الفيلم وهي تنبش في العلاقة بين شخوص الفيلم والمفعمة بالاحالات والدلالات البليغة.
حكى الفيلم الروائي القصير (زفير) لمخرجه المصري عمر الزهيري الذي نال شهادة تقدير في المهرجان قصة زوجين عجوزين يعيشان حياة صامتة وتحاصرهما التفاصيل اليومية المتكررة في 20 دقيقة هي مدة عرض الفيلم.
عمد المخرج الى توظيف مشهدية بصرية دون الاتكاء على جملة حوارية واحدة في التعبير عن ذلك الضجر وهو يصيب حتى هؤلاء الذين اعتادوا على كل تفاصيل حياتهم الحقيقية بحكم الشيخوخة والمرض.
وعلى الرغم من المشاركة المصرية الواسعة: (واحد صحيح ) لهادي الباجوري و(مولود في 25 يناير) لاحمد رشوان و(بحري) لاحمد غنيمي، (احد سكان المدينة) لادهم الشريف ، (حدوتة من صاج) لعايدة الكاشف ، الا انها خرجت من المهرجان بلا جوائز في مسابقات المهرجان .
تناول الفيلم المغربي (شي جاي وشي غادي) لحكيم بلعباس الحائز على جائزتي أفضل سيناريو وأفضل تصوير ذهبت للمصور رافايل بوش، حكاية زوجين وطفليهما في احدى قرى الشمال المغربي ذات يوم يقرر الزوج الهجرة الى اسبانيا وتبقى زوجته تعاني تداعيات رحيله وبانتظار أي خبر عنه خصوصا مع تلك الجثث العائدة لمهاجرين.
في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة فاز فيلم (الطريق الى الجنة) للمخرجة المغربية هدى بنيامينا بافضل عمل وهو الفيلم الحائز ايضا على جائزة تحكيم النقاد الدوليين (الفيبرسكي) ، وفيه تتبع كاميرا الفيلم واقع أسرة مغربية مهاجرة لفرنسا بعيون طفلة صغيرة.
و في مسابقة المهر العربي للأفلام التسجيلية الطويلة فاز فيلم (القطاع صفر) وهو إنتاج لبناني- إماراتي مشترك بالجائزة الأولى وقعه المخرج نديم مشلاوي حول ماض لبناني مضطرب ما زال راكدا في أجزاء من الذاكرة .
ويقص الفيلم التسجيلي (مرسيدس) لهادي زكاك الحائز على جائزة التحكيم الدولية (الفيبرسي) لافضل فيلم تاريخ لبنان المعاصر والتحولات الجذرية من خلال سيارة مرسيدس قديمة تعود الى حقبة الخمسينات من القرن الفائت .
ذهبت الجائزة الثانية في هذه المسابقة إلى الفيلم الفرنسي (هنا نغرق الجزائريين- 17 أكتوبر 1961) للمخرجة الجزائرية ياسمينا عدي، استعادة بصرية عبر اقوال شهود ومقاطع فيلمية حقيقية عشية استقلال الجزائر في حين نال الفيلم التونسي (لا خوف بعد اليوم) إخراج مراد بن الشيخ شهادة تقدير عن التحولات التي شهدتها تونس حديثا.
وظفر الفيلم الطويل (أمل) لنجوم الغانم بجائزة المهر الإماراتي وفيه رؤية نضرة تجاه أولئك الأفراد الذين وجدوا أنفسهم في دائرة من الوهم والخداع صورته المخرجة في انحياز إلى الحياة الثقافية وما تشتمل عليه من حراك مزنرة بأسئلة العيش والهامش.
ضمن فعاليات المهرجان الموازية كشف المخرج الألماني وارنر وارتزوغ عن مشروعه السينمائي الجديد الذي يتناول فيه المنطقة العربية في حقبة زمنية تعود الى بدايات القرن الماضي من خلال شخصية البريطاني المسمى ت . اليوت المسمى لورنس العرب .
المنطقة العربية في حقبة.
وبين وارتزوغ الذي يعد من اقطاب صناعة السينما العالمية وصاحب اكثر من تحفة سينمائية مثل : (كاسبر هاوزر) ، (فيتزجيرالدو) ، انه سيصور عمله الجديد في الصحراء الاردنية وفي دبي ايضا برؤية جديدة لشخصية لورنس بحيث تبرز الصورة الايجابية للدور العربي على خلاف تلك الصورة القاصرة التي اشتغلت عليها السينما التجارية في هوليوود.
وكان وارنر وارتزوغ الذي منحه مهرجان  دبي السينمائي الدولي جائزة التميز واحتفى بعرض نماذج من اعماله السينمائية الرفيعة منها فيلمه الاخير (في الهاوية ) قد زار الاردن مؤخرا واطلع على اماكن تصلح لتصوير احداث فيلمه القادم .
وأوضح انه يأمل في  فيلمه الجديد تصوير مناخ الصحراء العربية وراغبا في تغيير الصورة النمطية التي رسمتها هوليوود للعرب لافتا الى انه  من خلال هذا الفيلم سيسعى الى ابراز القيم والكرامة وجمالية ونضوج الشخصية العربية .
وزاد انه خلال جولاته في بلدان عربية وتحديدا مثل : الاردن ودبي اكتشف فيها اماكن جذابة ينوي توظيفها في جملة احداث مشروعه السينمائي المقبل، عن حياة «جيرترود بيل»، الكاتبة والرحالة وعالمة الآثار الإنكليزية، والتي توصف بأنها «النسخة النسائية من لورانس العرب» .
وقال وارتزوغ المرشح لنيل جائزة الأوسكار في مؤتمر صحافي عقد في اطار فعاليات المهرجان ضمن الاحتفاء بالسينما الالمانية الجديدة انه لم يركز في فيلمه (في الهاوية) على تأثير الجريمة على المجتمع بقدر تركيزه على الأشخاص الذين يرتكبونها من خلال شخص يحكم عليه بالاعدام  محللا تلك الدوافع التي قادته لارتكاب جريمته .
خاض المخرج وارتزوغ مغامرته السينمائية الأخيرة في غمار السينما الهوليودية وذلك في فيلمه المعنون (ضابط سيء) ولكن دون إن تفلت منه تلك البصمات التي عرفت العالم بأسلوبيته السينمائية اللافتة والتي سبق إن قدمها في أفلامه العديدة التي تجاوزت إلى اليوم الخمسين فيلما متنوعا وجميعها تندرج في أمكنة تحمل قدرا من الغرائبية والفطنة في توظيف شخصيات مختلفة عن البشر العاديين .
تلك الأفلام كرسته كواحدا من أبرز صناع السينما في العالم  وصاحب مكانة مرموقة في السينما الألمانية الجديدة وهو الذي اختارته مجلة تايم بوصفه واحدا من 100 شخصية الأكثر نفوذا وشهرة  في العالم.
في فيلمه (ضابط سيء) ينقل وارتزوغ بعضا من عوالم أفلامه التي غدت من اشهر كلاسيكيات السينما العالمية سواء في الناحية الجمالية أو في اللجوء إلى أمكنة غير مألوفة لتدور فيها أحداث فيلمه البوليسي التشويقي الجديد (ضابط سيء).
استقطبت فعاليات المهرجان هذا العام 171 فيلماً من 56 دولة، قد افتتحت بفيلم (المهمة المستحيلة: بروتوكول الشبح) للممثل الأميركي توم كروز الذي شارك مع طاقم فيلمه في افتتاح المهرجان، وقد ضمت فعاليات المهرجان برنامج أصوات خليجية وليال عربية التي افتتحت بفيلم (واحد صحيح) وسينما العالم التي افتتحت بفيلم (الأحفاد) وسينما الأطفال التي افتتحت بفيلم (ذا مابيتس) وسينما آسيا ـ إفريقيا، كما احتفت هذه الدورة بالسينما الهندية والتي افتتحت بفيلم (سيدات مقابل روكي بال).
وجاء الاعلان عن برنامج «إنجاز» كجزء مكمل لـسوق دبي السينمائي ضمن مبادرة المهرجان الشاملة في تقديم الدعم «من السيناريو إلى السينما»، ويعمل على تقديم مبلغ يصل إلى 100 ألف دولار لكل مشروع، في خطوة من المهرجان ترمي إلى مساعدة السينمائيين العرب أو ذوي الأصول العربية في تخطي المصاعب التي تقف حائلاً بين مرحلة الإنتاج وتقديم منتج صالح للعرض السينمائي، وتمثّل هذه المشاريع التي تضم أفلاماً وثائقية وروائية طويلة وتمّ انتقاؤها من بين أكثر من 110 مشاركات حضرت من الإمارات العربية المتّحدة ومصر والمغرب والجزائر وفرنسا ولبنان وفلسطين.