|
الشارقة: علاء الدين محمود الناشر: دار روايات في سياق البحث عن الاختلاف عبر التجريب، فإن كثير من الروائيين استعادوا مرة أخرى ذاكرة التجارب الأدبية الملحمية التي تتكئ على الأسطورة، ونسجوا أعمالاً سردية تحمل قصص البطولة والشجاعة، ولئن كانت تلك ثيمات كلاسيكية ومطروقة، فإن الرهان يكون على توظيف تقنيات حديثة في السرد وكذلك تحميل النص بأبعاد فلسفية وفكرية تأخذ من الواقع وتخدمه. رواية «سوار نيناتا»، للكاتب التركي أحمد أوميت، التي صدرت عربياً في طبعتها الأولى عام 2023، عن دار روايات، بترجمة رباع ربايعة، هي من الأعمال الروائية التي اعتمدت على أساليب سردية جديدة ومبتكرة بفعل التجريب، فكانت عبارة عن مزيج بين الأسطورة والتاريخ، وبين الواقع والخيال، حيث يسافر الكاتب إلى أزمنة بعيدة ويطلع على حيوات سادت وعادات وتقاليد كانت لها سطوتها، لكن أثرها لم يتلاش بل ظل قائماً يقاوم الفناء، و يضم العمل الكثير من المنعطفات والحكايات التي تشكل القوام الرئيسي للرواية، ولعل القارئ سيتوقف كثيراً عن تلك القدرة المميزة للمؤلف في الانتقال بين تلك الأزمنة ونقل صورها ووقائعها حية وكأنها حدثت بالأمس وليس منذ أزمنة غابرة. تتحدث الرواية عن قصة حب كانت لها تداعيتها الغريبة، وهي التي جرت في «حتوساس»، عاصمة الحيثيين، وتروي حكاية عشق الفتاة نيناتا للمحارب الشجاع نوانزا، وعلى الرغم من أن هذا الفارس له زوجة وأبناء، فإن حبّه في قلب نيناتا راح يشتد كلّما تقدّما في العمر، حتى أتى يوم ورمت فيه نفسها إليه، لكن هذا العشق كان محرماً بحسب الأسطورة، نسباً لأن نوانزا كان متزوجاً وهو في ذات الوقت يقرب لنيناتا، فكان نصيب تلك العلاقة هي اللعنة من قبل المجتمع ومعتقداته، وعلى الرغم من افتراق العشيقين، لكن اللعنة لا تزال قائمة. وحتى يستطيع الحبيبان فك تلك اللعنة التي أحاطت بهما، كان لابد من فكرة أسطورية لتجاوز ذلك الموقف، وهي أن يقوم نوانزا بصنع سوار لمحبوبته نيناتا مكون من 12 حلقة، تتوزع كل واحدة من هذه الحلقات على مخبأ في مدينة مختلفة عن الأخرى، ولابد، في ذات الوقت وحتى تنفك اللعنة أن يأتي غريب ويقوم بجمع هذه الحلقات ويصنع منها سواراً، وهي العملية التي تتسم بالإثارة والتشويق، حيث يقود كل سوار إلى الآخر، وخلال ذلك تجري الأحداث والمنعطفات وتبرز الشخصيات وتتدفق الحكايات. تدور الحكاية في فضاء تاريخي بأبعاد أسطورية تعود إلى ما قبل 3300 عام. فقصة الحب جرت خلال معركة قادش التي وقعت بين القوات المصرية بقيادة الملك رمسيس الثاني، والقوات الحيثية بقيادة الملك مواتاليس الثاني، في مدينة قادش على نهر العاصي في سوريا. ولعل البراعة الإبداعية للكاتب في هذه الرواية أنه قد جعل من قصة الحب المحرمة تلك سبباً أساسياً في نزول الغضب على الحيثيين الذين كان عليهم خوض صراع البقاء ومقاومة الفناء في حربهم ضد المصريين، وكان نوانزا يقود حربين في ذات الوقت، الأولى هي المتمثلة في المعارك والصراع ضد الجيش المصري، والثانية هي التخلص من اللعنة، ويكشف السرد في الرواية عن أن هذه الحروب التي كتبت على الحيثيين ليس سببها قصة الحب تلك، بل ينفذ الكاتب نحو أسباب أكثر واقعية لكنها محجوبة تقف وراء مبررات واهية، ومن أهم تلك الأسباب هي الجشع وانتشار الفساد بين ملوك الحيثيين وتفشي مشاعر الكراهية، فكان لابد للحب أن ينتصر من أجل أن يعم السلام والخير بدلاً من الصراع. الرواية تنفتح على عوالم الحب وأسراره، ومشاعر الشوق والفقد والأمل، حيث يواجه العشيقان حباً مستحيلاً بسبب الظروف الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، و تبدأ قصة الحب المحرم تلك وسط أجواء من السعادة الغامرة، لكنها سرعان ما تدخل في متاهات كبيرة فتنفتح أبواب الجحيم على العاشقين، حتى يتجرعا من كؤوس الحرمان وخيبات الأمل والرغبة التي تقود إلى الهلاك، فالحب يتحول إلى ألم، فليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وتلك هي الثيمة الأساسية في الرواية التي بدأت بلحظات رومانسية ساحرة وانتهت بشلالات من الدماء. من خلال الأحداث العاصفة في الرواية يسلط الكاتب الضوء على هشاشة الإنسان وضعفه في مواجهة الصعاب، وفي التغلب على مشاعره والعجز عن إخفائها خاصة تلك المتعلقة بالحب الذي يبرز في العمل كسلطة ليس منها فكاك، وكذلك المشاعر النقيضة مثل الكراهية والبغضاء، كما ينفتح العمل على القدر كحتمية لا فرار منها، كما يفتح السرد الأسئلة أمام المتلقي حول الطبيعة البشرية وأسرارها، وكأنما تريد الرواية أن تقول: إن تلك الطبيعة الخاصة بالبشر لم تتغير منذ آلاف السنين، كما يتناول العمل الوجود وتحولات المجتمع والمشاعر المعقدة لدى الإنسان، وكذلك يركز السرد على أثر الحرب في المجتمعات والشعوب والأفراد، حيث تؤثر كثيراً في المشاعر والسلوك والقيم والأخلاق. في هذه الرواية يتخلى الكاتب عن أسلوبه البوليسي الذي صاغ عبره العديد من الأعمال السردية المميزة، ويتجه نحو التاريخ والأسطورة ليمارس فعل الإسقاط على الواقع الراهن من خلال قصة الحب التعيسة تلك، فلا سبيل للسلام وتفشي المحبة إلا عبر أن تصبح النفوس مهيأة للتخلي عن الكراهية والحقد والمؤامرات والأطماع، وتلك حمولة سياسية نجح الكاتب في تمريرها بحيث لا يستطيع القارئ أن يلمسها إلا عبر عملية تأمل عميق. كتبت الرواية بأسلوب ملحمي يكشف عن الصراع المحتدم بلغة شاعرية نثرية، كما نجح الكاتب في رسم الشخصيات بطريقة مؤثرة بحيث تعلق في ذاكرة المتلقي، كما تتميز الرواية بقوة الوصف والانتقالات بين الأزمنة والأمكنة، و تتداعى الحكايات بطريقة مختلفة ومبتكرة، كما أن توظيف الأسطورة والتاريخ في العمل يمنح القارئ أبعاداً أعمق لفهم القصة والتأمل في مراميها المختلفة. تطل الرواية كذلك على قضية المرأة بين الماضي والحاضر، وذلك من خلال عدد من المواقف والأفكار المبعثرة داخل السرد، ويعمق الكاتب ذلك التناول عبر تفخيم حضور بطلة القصة نيناتا، المتمردة على المجتمع وصاحبة الكاريزما القوية والتي يجد فيها القراء، خاصة النساء، شخصية ملهمة، وكذلك بعض الشخصيات النسوية الثانوية في العمل. الرواية وجدت صدى كبيراً في تركيا، وكانت ضمن الأعمال الأدبية الأعلى مبيعاً، حيث لامست شغف الإنسان بماضيه وتاريخه، وتعلقه بالقصص الخرافية، ما يدل على أن الحكايات الأسطورية لا تزال مغرية بالكتابة عنها وتناولها في السرد الحديث، وترجم العمل إلى العديد من اللغات وتناوله النقاد في العديد من الصحف المحلية والعالمية. «كم من الملوك صعدوا إلى العرش، وكم من الملوك لم يستطيعوا الحكم». «كان جسدي يحاول مواكبة روحي». «آمنتُ وانتظرتُ أياماً أفضل». «أعرف كيف يُحوّل الحب الحياة إلى ألم». «إذا كان الشوق مقدساً، فالنسيان مقدس». «كنتُ أنتظرك، لأُكمل أغنيتي التي لم تُكتمل». «تركتُ وحيداً مع وحدتي، مع أملي المسلوب». «كم من الحروب مرت على هذه الأراضي، وكم من الغنائم نهبت». «آه أيها الغريب الذي سيأتي من وراء السنين». «اللحظة التي رأيتها فيها لأول مرة كانت هي التي أحببتها فيها». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 14-07-2025 11:15 مساء
الزوار: 31 التعليقات: 0
|