|
محمد المشايخ منذ أفلاطون ومدينته الفاضلة، وحتى نضال برقان وديوانه «تحت سماء واحدة»، ثمة بحث دائم عن الأجمل والأفضل والأكمل في العالم، وبعيدا عن المؤسسات المعنية بمكافحة العنف والتطرف والإرهاب، يتخذ نضال برقان من الشعر بخاصة، والفنون بعامة، وسيلة لتطهير العالم من سلبياته، ولتعزيز الأخوّة والعدالة والتسامح والتعايش والسلام بين مكوّناته، فتتبدى في قصائده النزعة الإنسانية والروح الكونية التي تتجاوز كل القوميات والنزعات، لتنشغل بالهَمّ الإنساني الواحد. وفي هذا الديوان، تتجلى القصيدة الكونية، وتنبثق من قلب شاعرها الباحث عن الإنسان الكوني الذي يفهمُ الآخرين على أساس إنسانيتهم لا غير، لا يؤمن بالعنصرية ولا بالجندرية، ويعكس في شعره ثقافة إنسانية مَرنه، ويتعامل مع كافة المُمكنات التي تجعلهُ مُنفتحاً دائماً على الآخر، وفي مسعى دائم لان يحقق العيش الرغيد له وللآخرين، وذلك ما عبر عنه في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان، فثمة جانبان للكرة الأرضية، يتحاور الشاعر من أحد جانبيها، مع من تقف في الجانب الآخر منها، ليحدثها شعرا عن الأغنيات والأحلام والتطلعات البشرية الشاملة، وليذكرها بأن أمها وأمه (شقيقتان/ ولدتهما أم كونية واحدة/ وكلاهما، دائما تحت سماء واحدة). ولكي يُعّبر نضال برقان عن وقع الوجود على وجدانه، بصدق وجرأة ووضوح وجمال، بعيدا عن الرمزية وعن المباشرة أيضا، لجأ إلى تقنية الحلم في عدد من قصائده، الأمر الذي جعله يرتقي إلى مدارج التخييل، من أجل الوصول إلى الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تتطلع إليه البشرية، كاسرا بذلك منطق العلاقات كما هي في الواقع، محققا أحلامه سواء في العالم الأجمل الذي ينشده، أو في الواقع الذي يرمي لتغييره، يقول في قصيدته: «أستنشق أنفاسك.. وأحلق»: «لا أوكسجين في الهواء ثمة حروب دامسة وأسلحة كثيفة وناس مصابون بـ»سعار الأوكسحين» وأنا أتسلل كل ليلة إلى أحلامك وأستنشق أنفاسك بينما تنامين وأحلق». وعدا عن تقنية الحلم، لجأ الشاعر نضال برقان، إلى تقنية الظل، التي قال عنها المغربي أحمد العمراوي: «الظل صامت يتحرك بمُظِلِّه، الظل المبسوط على الأفق، هو الشعر المرتبط بذات الشاعر، هو المحرك بمقياس النور والظلمة والشمس والقمر لخلق الجمال، إن الجمال ليس في حد ذاته ماهية وإنما هو مجرد رسم ظلال، الجمال يتلاشى عندما نُلغي تأثيرات الظل، يمتزج الشعر بالشاعر كما يمتزج الظل، يقول نضال برقان، رابطا بين أمنياته (التي خبأها في ظلال محبوبته المتخيلة) بأن تتوقف الحروب التي تشتعل في أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية، ليحل مكانها السلام والأمان والتعايش، مستفيدا مما في مكونات التراث الشعبي من ألوان ومذاق عذب، فيقول: «أما ظلالك تلك التي خبأتها في ذاكرتي فلقد التهمتها الحرب كما يلتهم صبي جائع حلوى»شعر البنات» بينما كنت أكتب قصيدة غزلية من أجلك». ويفتح نضال برقان في هذا الديوان، كتاب البلاغة العربية على مصراعيه، ويبث بين سطوره الشعرية كل ما في البلاغة من تشبيهات وكنايات واستعارات ومجازات، ولأنه يكتب من برج القصيدة العاجي، فإنه يذكر هذه المصطلحات البلاغية واحدا واحدا في قصيدته التي حملت عنوان (طائر في سماء بيضاء) فهو يذكر»شجرة الكناية»، و»سماء المجاز»، ولا ينسى وهو الحاصل على البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، التشخيص والتجسيد لما فيهما من إحالة الكائنات المعنوية إلى كائنات حية، يقول: «كنت استعرتك من السماء فاستحالت براميل متفجرة استعرتك من الأرض فاستحالت مقابر جماعية استعرتك من القصيدة فاستحالت صراخا ثم كان أن استعرتك مني فاستحلت جنة بحجم البلاد». أما لوحات نضال برقان الشعرية، وصوره البصرية المتحركة، فإنها ابنة فكره التنويري، ومصدر التزامه بهموم البشرية، وسعيه لنقائها مما أحدثته الحروب فيها من دمار، وإحالتها إلى جنة اشتهاها كل الشعراء والحكماء قبله، يقول: «تسعى الغيمة... والعصفور يسعى... ويدوران، حتى يحيلا السماء لوحة مليئة بالورود والفراشات يحيلا الأرض حكاية خضراء ويحيلا الحقيقة تلك التي اغتالتها الحرب حقيقة من جديد». ويلتئم في شعر نضال برقان، شمل الأغاني، والموسيقى الداخلية والخارجية، يلتئم شمل النغم والإيقاع والنبر، فنراه يكتب للنخبة حينا، وللعامة في معظم الأحيان، تتسلسل كلماته في سهله الممتنع، مختارة من قاموسه اللغوي، ما يتواءم مع المعاني الإنسانية والكونية السامية التي تشغله، وتملأ حيزا كبيرا في قصائده، ولا يضيره أن يلجأ للتكرار، لهدف أبعد من موسيقى الشعر، فلديه الكثير من الحمولة الفكرية التي يود إيصالها للمتلقين، يقول: «أيتها الحقيقة كشرفة في القلب أيتها الحقيقة كزهرة في صدع البلاد أيتها الحقيقة كأغنية لم تزل ندية منذ حروب كثيرة أرجوك.. عودي الليلة ولتكن هناك مرة مقبلة لأرافقك بها عندما تذهبين». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 15-04-2025 10:36 مساء
الزوار: 41 التعليقات: 0
|