عمان – عمر أبو الهيجاء
تعد تجربة الشاعرة الدكتورة هناء البواب من التجارب المميزة في المشهد الثقافي المحلي والعربي، حيث أصدرت العديد من المجموعات الشعرية والكتب الثقافية والأعمال المسرحية، التي لاقت قبولا من الدارسين والنقاد.
ففي ديوانها الحديث «طحين ألماس» عن دار خطوط وألوان للنشر والتوزيع وهي المدير العام للدار، اعتمدت الكشف فيها من حيث البناء المختلف للغة وبناء العلاقات بين المفردات والتشكيل المعماري والهندسي للقصيدة، لغة تحاكي وتتماشى مع تطور القصيدة الحديثة، فنجد الخيال الذي هو قوام الشعر، حيث استطاعت الشاعرة د. البواب في مجمل تجاربها الشعرية السابقة وكذلك المسرحية الاشتغال باللغة وتراكيبها وفتوحاتها الجديدة راسمة خطوات مضيئة في الفضاء الشعري، وراسمة أيضا عبر تجلياتها الشعرية الروحانية معزوفة بإيقاع صوتي يوقظ القلوب المطفأة في أتون الحياة، و مسافرة بنا على بساطها الشعري إلى انفجارات الروح العّاشقة زارعة دواخلنا معنى الحياة والأمل ومعنى الحب عبر مخيّلة خصبة ومشحونة بالوجد والقلق والوحدة التي يعايشها الإنسان على هذا الكوكب السيّار، فأي حصار يجتاحها و أي ظلام يسكن ثناياها حين ارتدت كل هذا الورد.

«تحاصرنا في الظلام الأكف/ ولا أتقي ضربة ضربتين/ الحياة تكشر عن بسمة كاذبة/ وكانت مشاعرها سالبة/ وكنت إذا همست لي تظاهرت/ أني رفيقتها العاتبة/ على الحزن حين استمال الجهات» إلى أن تقول فيها:» أجل كنت وحدي/ التي أتجلى/ وأصفع شوك الهزائم/ أصعد أعلى وأعلى لأني شراع الحياة».
من هنا، تذهب الشاعرة البواب صاعدة مرتفعات الجمال وإلى رؤاها في معنى الاحتراق والسمو في منزلة الحياة، فنراها مبللة بماء القصيدة والشعر، تغوص عميقا متسلحة بفيوضات البحور ونار الحرف، تشرب من كأس مرارتها وتحصي أشواقها هامسة لكل الأحلام على مخدة التعب أن استيقظي حان وقت الهيام، وحان أن نرتل مع الليل أرواحنا، يا لأساروها لمّا تهمس وتبكي وتحنُّ، أساور تقرأ..تلمع في ظاهر القول لتصبح أجنحة تحلق في سماوات أسئلة تنزلق على لسان القلب فتبوح وتصحو مع دموع تأخذ شكل الطيور طيور المراثي البعيدة، أساور تبكي في سرّها وتهجس لمعنى الغياب وجدل الروح والعطش المبرمج في صحراء الوقت.
تقول في قصيدتها «أساور»: «وتبكي إليك/ ذراعك يصحب يتم الرنين/ فكيف تحطم صوت الصدى/ والأساور لم ترتكب إثم من بددوا الحلم/ همس الذراع إلى أختها/ سيعود هذا الرنين بأنغامنا اللائمة/ وتبكي وربوة قريتنا/ تستضيف الغياب فلا عودة».
في هذا العمل الشعري «طحين ألماس» يتدفق الشعر عاليا ليلامس مفاتيح كل أنثى ويقرأ ما يعتمل داخلها من متاهات وشؤون وتفاصيل خزانة الحياة،، البواب شاعرة تمسك الأشياء من خضرتها وتهصرها لتسيل بين أصابعنا ماء طهورا، ونراها تمعن في إيقاع الكائنات وإيقاع كل النسوة ملامسة جرح الورد في الألماس ولوحة الذكريات ..هذا قلق الشاعرة وفقدها تعبر من خلاله إلى رؤية أكثر جمالا تخدش الفراغ في محطات كثيرة على مساحة أقل توهجا في رحلة الحياة.
في هذا الديوان اشتباك مع المادة التاريخية واستحضار للموروث الديني؛ ما أعطى العمل بعدا معرفيا وفلسفيا ونبوءة للذات وطقوسا أنثوية وكشفا لجمرة العشق في النفوس..
من قصيدتها «للباب ذاكرة مفقودة» نقرأ: «إلى الأحمر الوردي في شفتي شرفة/تراود حزن الماء تمنحه حرفه/ إلى شجن العصفور قلبي جنينه/يبدد غيها الورد عن ثقة خوفه/ إلى امرأة صماء عن جوع قلبها/ تقابل – بوح الصمت – تنطفه صدفة».

المصدر: جريدة الدستور الاردنية