|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة في نصي " ذاكرة عارية " ، و " قراءة بين سطور الروح " يوتوبيا ميرنا دقور .. بقلم زينب الغازي
يوتوبيا ميرنا دقور زينب الغازي قراءة في نصي " ذاكرة عارية " ، و " قراءة بين سطور الروح " تحاول هذه القراءة الغوص في عالم ميرنا دقور من خلال نصيها (" ذاكرة عارية " ، و " قراءة بين سطور الروح " ؛ لمعرفة رؤية الكاتبة ومنظورها إلي العالم ، من خلال الذوات التي تقدمها في الخاطرتين ، ومفردات الكاتبة التي تكون منها عالمها الإبداعي في الخاطرتين ، تلك المفردات التي بتآلفها مع بعضها البعض صنعت ذلك المنظور الخاص بالكاتبة ، وأول ما يسترعي الانتباه عند الكاتبة هو السعي المحموم والجاد إلي المعرفة ، متخذة التفكر والتأمل سبيلاً إلي ذلك للحصول علي أجوبة ترضي قناعاتها ، ذلك السعي الذي لا يتوقف مما يجعل الذات الراوية داخل النصوص تري بعدم وجود إجابات شافية ترضي هذا العقل المتأمل القلق المتسائل فتقول ميرنا دقور : " " غالباً ما نواجه أسئلة لا نجد لها أي جواب كافٍ .... لكن غالباً ما يكون هناك أوراق بلا لون " (1) لذا سنتوقف عند مفردات الكاتبة في النصين وعنواني خاطراتها باعتبارهما أولي أيقونات النص - أو أولي عتباته بمصطلح جيرار جينيت - اللتان تقدمان للقارئ رؤية الكاتب ومنظوره ، باعتبار أن العنوان يمثل " «مفتاحاًإجرائياً في التعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي»)2) عندما نتأمل عنوان ( ذاكرة عارية ) نجد أن الكاتبة اختارت عنواناً يعبر عن حالة الذات المشار إليها في الخاطرة تعبيراً دقيقاً، فجمعت بين كلمتين محملتين بالكثير من المعاني ، فالذاكرة وما تشير إليه من مشاعر ، أفكار، وأحداث ضاربة في عنق الزمن ولكنها حاضرة في ذهن الذات حضوراً قوياً ومؤثراً جعلها مفعمة بكثير من المشاعر المتناقضة أحيانا ، لذا نجد الكثير من الكلمات المُحددة لعالم النص والمتسقة في آن واحد مع الذات وحالتها، والتي تجعلها تري أنها خلقت لزمن غير الزمن الذي تعيش فيه ،تلك الكلمات التي يمكن تقسيمها إلي ثلاث أقسام : أولاً : كلمات توحي بالبعد سواء أكان بعدا زمنياً أم بعداً مكانيا،مثل (الأمس- الزمن –القديم - أحلام – هناك – خلف - أسوار - نجم –أغصان وأدغال-أعماقنا )(3 ، مما يعطي للذات رؤية غائمة عما تحمله الذاكرة من أحداث مضت ، وتشير أيضا لعدم قدرتها علي السيطرة علي تلك المشاعر والأحداث المتداعية لها من الذاكرة ، فنجد كلمات تسيطر علي النص مثل ( أحلام – ذكري – يقظة – رحم – القدر ) . ثانيا : كلمات توحي بشئ من الأمل يسري بين جنبات الذات ،وتؤكد أن رؤيتها للكون ليست قاتمة ، يسيطر عليها اليأس سيطرة كاملة ، بل توحي بأن رغبة الذات في هجران هذا الكون والانسحاب منه ليست رغبة حقيقية متأصلة في نفس الذات ، مثل (الأتي – اليقظة – تضئ – شموعا – السعادة ) (4)، فهي مفردات تحمل بعض الوعي من الذات بما يحدث وتحمل شئاً من الأمل وإن كان ضعيفاً . ثالثا : وبين الحالتين السابقتين، هناك كلمات تعبر عن ذلك التحول الذي حدث للذات وجعلها تتمني أن تصبح بذاكرة عارية ، فيقدم النص حالة من الفوران الشديد في المشاعر الذي لم تستطع الذات التعامل معها أو قبولها أو أن تعييها جيدا وتتأملها ، مثل (تُبحر- تَعبر – عواصف – إعصار – المهزومة – اختصر – رماد – احرق ) ، فجميعها مفردات تشير للتحول من حال إلي حال . ورغم تلك المشاعر الفوارة الممتلئة بالآسي والحزن عند الذات الراوية ، فالرؤية -كما اتضح سابقاً - ليست قاتمة ولكن يتخللها بعض الأمل وذلك يتماشي أيضاً مع الجزء الثاني من العنوان ( عارية ) ،حيث تتمني الذات ذاكرة أخري ،ليست ذاكرة ممحاة مُمحي منها كل ما مرت به ، ولكنها ذاكرة ( عارية ) مع ما تشير إليه المفردة من دلالات الكشف والفضح ووضوح الرؤية ، لكي تمتلك ذاكرة واعية تستطيع تحليل وخرق الماضي وإعادة صياغته ، مما يعطيها فرصة أن تحيي فيه وتتكيف معه ، فرغم أن الذات صرحت بـ ( نحن خلقنا لزمن لم يأت بعد ) ، ولكنها مازالت تتمسك بأهداب المستقبل فتقول (نحن خيط من ذكرى الأمس، وظل من صدى الغد,) ، فلم تكتف بذكر علاقتها بالماضي (الأمس ) فقط ، ولكن تربط نفسها بالغد حتي إذا كان هذا الرباط ضعيف وباهت عبارة عن ظل . وبنفس المنطلق تعنون ميرنا دقور خاطرتها الثانيه بـ " قراءة في سطور الروح " فتصرح بهدفها منذ العنوان وهو محاولة للبحث والتأمل في الذات والكون فجاء العنوان والنص متكاتفان يكملان بعضهم بعضاً كما سنري. ولكن كما نلحظ تتفق ميرنا دقور مع الكتاب الرومانسيين ومفردات عالمهم ، فالخاطرتان مفعمتان بالمفردات الحالمة مثل (الروح – الحلم – الأمطار – المساء – ذكري- العواصف ) تلك المفردات المفعمة بالمشاعر الجياشة التي تسيطر علي الكاتبة . ومن المعروف أن الكتاب الرومانسيين كانوا يطوقون إلي العزلة والانعزال المجتمعي والانغلاق علي الذات ، وهنا تختلف الكاتبة اختلافا جذريا معهم حيث أن هدفها الأعلي والأسمي هو اكتشاف الكون والتفاعل معه بل وإصلاحه ،فالحياة عند الكاتبة معادل موضوعي للتأمل والتفكر فتقول " بالنسبة لي الحياة هي المعنى المطلق للفلسفة وقفزة جريئة إلى أعماق الذات واكتشاف النفس البشرية والغوص في دهاليزها" (5) كما تحلم الكاتبة بتحقيق المثل العليا والفردوس المفقود فتصنع يوتوبيا ولكنها يوتوبيا خاصة بها فتقول : " ليس المهم أن نعرف ما هو صح وما هو خطأ فحسب وإنما أن نختار ونتصرف على أساس هذه المعرفة ووفق هذا التمييز". ومما يجعل يوتوبيا ميرنا دقور يوتوبيا خاصة ،هو أن هدفها من ذلك التأمل هو التغيير والإصلاح وليس الانعزال والانكفاء علي الذات كما هو عند الكتاب الرومانسيين فتقول " في حياتك لا تكن كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس" (6)، ولا يجب أن يتوقف ذلك التأثير الذي يتركه الفرد بوجوده في الحياة الدنيا بل تحثه علي الخلود ، خلودا في الأخرين بتأثيره فيهم بأفكاره ،أقواله ، أفعاله وإبداعه فتقول " وعندما تريد أن ترحل من هذا الكوكب أترك عطرك أنت وبصمتك أنت على جبين هذا الكون,,, العالم من بعدك لا يحتاج الى غبار بل يحتاج الى قدوة "(7) وهذا ما يجعل المبدع فرداً استثنائياً خالداً، ممسكاً بتلك الجذوة المقدسة كما أسماها سانت بيف عند المبدع "يسجل ما لا يمت إلي الحياة العابرة بل ما يتعلق بالجذوة الخالدة المقدسة أي بعبقرية الأدب ذاتها ) (8) . الهامش : - ( 1 ) – ميرنا دقور ، قراءة بين سطور الروح ، الثقافة العربية ، 12أغسطس,2014 . ( 2 ) – خطاب الكتابة وكتابة الخطاب، عبد الرحمن طنكول، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عدد9، 1987: 135. نقلاً عن النصّ الشعري: كثافة العتبة العنوانية ـــ د.محمد صابر عبيد، http://www.startimes.com ( 3 ) – انظر : ميرنا دقور ، ذاكرة عارية ، مجلة عاشقة الصحراء ، ( 4 ) – نفسه . ( 5 ) – ميرنا دقور ، قراءة بين سطور الروح ( 6 ) – نفسه . ( 7 ) – نفسه . ( 8 ) - كوثر عبد السلام : الاتجاهات الحديثة للنقد الأدبي ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ط:1 ، 1979، ص 77 . الكاتب: اسرة التحرير بتاريخ: السبت 23-08-2014 07:18 صباحا الزوار: 1347 التعليقات: 0
|